في حالات الركود العنيفة، وبغرض إخراج الاقتصاد من الركود إلى النمو والنشاط، أو على الأقل تخفيف حدة السقوط في الركود وتقليل مدة تباطؤ دوران محركات الاقتصاد. يستخدم البنوك التيسير الكمي كآداة لزيادة نشاط الاقتصاد كما تقوم البنوك المركزية فى الاقتصادات المتقدمه والكبرى، وسنتعرف عنه باستفاضه اكبر خلال المقال فتابع معنا ..
ما هو التيسير الكمي (Quantitative Easing)
هي عملية تقوم في السوق (تقوم بها البنوك المركزية) حيث تزيد من السيولة والتضخم مع نية غير صحيحه لتحفيز اقتصاد أمة وتشجيع الشركات والمستهلكين على الاقتراض وإنفاق المزيد.
عادة تتكون العملية من بنك مركزي يضخ الأموال في الاقتصاد عن طريق شراء الأوراق المالية (مثل الأسهم والسندات وأصول الخزانة) من الحكومة أو البنوك التجارية.
وتضيف البنوك المركزية هذه الأموال الاحتياطية للبنوك الأعضاء (التي يتم الاحتفاظ بها وفقا للنظام المصرفي الاحتياطي الجزئي) من خلال تمديد الائتمان الجديد. ولأن الائتمان الجديد لا يدعمه سلعة ما أو أي شيء ذو قيمة مادية، فإن التيسير الكمي ينشئ في الأساس الأموال من لا شيء.
أشكال التيسير الكمي:
- تتعدد أشكال التيسير الكمي، حيث بدأت للمرة الأولى عندما اعتمد بنك اليابان هذه السياسة في مارس 2001 لمحاربة الانكماش الاقتصادي المحلي الذي تعرضت له اليابان حينها.
- فقام البنك المركزي بشراء ضخم للدين العام لكن في النهاية هذا النموذج لم يجدي نفعاً وأثبت فشله وتسبب في أضرار أكبر على كاهل الاقتصاد الياباني.
- ومؤخراً مع أزمة فـيــروس كـوفـيـد-19 اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً آخر من هذه السياسة. جائحة كورونا تسببت بأزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة مما دفع العديد من البنوك المركزية ذات الاقتصاد المتقدم لتقديم برامج متنوعة لتجاوز حالة الركود الاقتصادي العالمي التي كانت على وشك الحدوث.
- أحد مكونات هذه البرامج كان التيسير الكمي من خلال تخفيض أسعار الفائدة إلى مستوى يقترب من 0%. قام الاحتياطي الفيدرالي بشراء أصول منوعة بقيمة تقترب 700 مليار دولار، وكذلك تخفيض خطوط المقايضة لتسهيل التدفق النقدي للمؤسسات المالية.
ما تأثير التيسير الكمي على النمو الاقتصادي؟
أولاً: العمل على زيادة الانتاج
النمو السكاني المتزايد يحتاج بالضرورة لزيادة الإنتاج والتي يمكن الوصول إلى هذا المسعى من خلال زيادة عدد العاملين والعمل على زيادة كفائتهم، والتي عادة ما تكون الخيار الرئيسي الأهم في الدول النامية التي تتمتع بكثافة سكانية عالية، بما في ذلك الاقتصاديات المتقدمة التي تتمتع بمعدل نمو سكاني بسيط مثل ألمانيا فإن التوجه في مسعى زيادة الانتاج يعتمد على مَيكنة الانتاج بالاعتماد على التكنولوجيا.
ثانيا: تطوير النظام المالي والنقدي القائم
زيادة الإنتاج تحتاج بالضرورة مزيد من سلاسة التدفق النقدي في الأسواق لاستمرار التحسن في أداء الإنتاج. يعني أن الزيادة في الانتاج تحتاج تزايد مقابل في التدفق النقدي يلبي احتياجات هذا التطور . ويتوفر هذا المسعى من خلال انشاء نظام نقدي شبه مركزي يتكون من بنك مركزي ينظم جميع الجوانب النقدية ومجموعة من البنوك الخاصة التي تقدم خدماتها بشكل مباشر للمواطنين.
تسعى البنوك المركزية حاليا للتخلص من هذا النظام لما له من سلبيات يمكن تلخيصها فى:
– البعض يعتقد أنه كلما ارتفع الدين الحكومي وجاء البنك المركزي ليشتريه بطريقة غير مباشرة فلن تتوقف الحكومة عن الاقتراض أو الإنفاق بحرص ورشادة، مما يفتح الباب للبذخ والفساد وسوء التصرف.
– زيادة الإنفاق العام قد ينتج عنها مزاحمة القطاع العام للقطاع الخاص في كثير من المشروعات بدافع من السيولة الزائدة لدى الجهاز الحكومي.
– رواد المدرسة النمساوية في الاقتصاد يقولون بأن هناك احتمالات بأن يغذي التيسير الكمي التضخم وارتفاع مستويات الأسعار للمنتجين والمستهلكين على حد سواء، عبر زيادة الأموال الممنوحة للأسر والشركات في أوقات الأزمات وبالتالي زيادة الطلب فوق العرض بشكل مفاجئ فترتفع الأسعار كما حدث في عام 2021.
– الانتقاد الأكثر شيوعاً: التيسير الكمي عبارة عن دعم لأغنياء لا يستحقونه. هذا الانتقاد يأتي من اليسار أغلب الوقت والذين يهتمون بقضايا عدم المساواة في توزيع الثروة والدخل.
– اقتصاديو المدرسة الكلاسيكية الجديدة أو من يطلق عليهم the orthodox economics يرون أن التيسير الكمي لم يعد له مفعولاً يُذكر وأن الرهان يجب أن يكون على السياسة المالية التوسعية: رفع الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب.
إن اخذ منهج مثل هذه السياسة يؤدي لضعف العملة بشكل كبير وهذا ما حدث بالفعل مع الدولار الأمريكي عندما أخذ مؤشر الدولار هبوطا قويا في مارس 2020 من مستوى 103.00 إلى مستوى 89.20 بنهاية العام نفسه أي ما يقرب من 1400 نقطة. وهو ما أدى بشكل مباشر لصعود المعدن الأصفر بشكل قوي من مستويات 1455 لمستويات 2074 أي ما يزيد عن 6000 نقطة (هذا أيضاً مع زيادة الطلب على الذهب حينها باعتباره ملاذاً آمناً وقت الأزمات).
إثبات استقلالية البنك المركزي
لقد كان التيسير الكمي جزءاً من مجموعة الأدوات النقدية لفترة طويلة حتى الآن. وهنا نُشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي قد احتفظ فيما مضى بميزانية عمومية “خفيفة” أكبر بقليل من قيمة الأوراق النقدية الصادرة. هناك فرصة ضئيلة للعودة إلى ذلك الحال في الوقت الراهن.
كما أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل محافظي البنوك المركزية يرغبون في الاحتفاظ ببعض حيازاتهم الحالية على الأقل إلى أجل غير مسمى، بدءاً من الحفاظ على قدرتهم على التدخل لتسهيل أداء السوق، وصولاً إلى المساعدة في إدارة السياسة النقدية.
للقيام بذلك، قد يحتاج محافظو البنوك المركزية إلى إثبات أنهم ليسوا تحت سيطرة وزاراتهم المالية، وأنه عندما يعود التضخم، يمكنهم الرد. ويجادل “فيتور كونستانسيو”، نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي حتى عام 2018، بأن المخاوف بشأن الهيمنة المالية هي في سياق “التفكير غير الواقعي” من قبل مستثمري السوق، وهي تضغط على البنك المركزي لإبقاء السياسة النقدية فضفاضة إلى أجل غير مسمى. يقول “كونستانسيو”: “عندما يعود التضخم إلى وضعه الطبيعي، ستبدأ البنوك المركزية في تقليص حجم ميزانياتها العمومية.
الفرق بين برنامج التيسير الكمي وعمليات السوق المفتوحة
في الاقتصاد ترتبط العوامل والمؤشرات المختلفة في شكل منظومة واحدة، فأي تغير في أي من العوامل أو المؤشرات الاقتصادية ينعكس على باقي العوامل والمؤشرات الأخرى. لهذا السبب يقوم الاحتياطي الفيدرالي بمتابعة القدرة على التوظيف في سوق العمل، ودراسة نسب البطالة إلى جانب معدلات الأجور ، ويحاول إيجاد ربط بين هذه العوامل مع معدلات التضخم وأسعار الفائدة.
أما المهام الرئيسية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هي تحديد احتياطي البنوك ومعدل الأموال الفيدرالية وعمليات السوق المفتوحة.
عمليات السوق المفتوحة هي أداة للبنوك المركزية تشبه إلى حد كبير عملية التيسير الكمي، ويتم استخدامها في أوقات الركود لإنعاش الأسواق. هذه السياسة تسمح للإحتياطي الفيدرالي ببيع وشراء الأوراق المالية في السوق المفتوح من أجل التأثير على أسعارها وعوائدها.
في الأساس يعتمد البنك المركزي شراء وبيع السندات الحكومية، لكن قد يلجأ أحياناً الى شراء وبيع أوراق مالية أخرى، ومثال ما ذلك ما حدث في أزمة 2008 حين لجأ الإحتياطي الفيدرالي إلى استخدام الأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية والتي كانت سبب رئيسي في تلك الأزمة.